19 سبتمبر 2024 | 16 ربيع الأول 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

محمد النونان: القرآن يدعو للتفاؤل ويبث روح الأمل بين المؤمنين

04 يناير 2016

لقد جعل الله هذه الحياة الدنيا كثيرة التقلب، لا تستقيم على حال، ولا تصفو لمخلوق من الكدر، فالمتأمل في هذه الدنيا بعين البصيرة، يجد فيها الخير والشر، الصلاح والفساد، السرور والحزن، ويجد الأمل واليأس، وهنا يأتي دور الأمل والتفاؤل كشعاع يضئ للمؤمن دروب الظلام، ويبعث في النفس البشرية الجد والصبر، والسعي نحو الفوز بسعادة الدارين.

في إطلالة نحو دعوات التفاؤل القرآنية المباركة، التي يتفيأ الناس ظلالها كل حين، تحدث فضيلة الشيخ محمد بن عبد الله النونان، الداعية والمحاضر، أن القرآن يزخر بالآيات والقصص التي تدعو للتفاؤل وتعلم المسلمين الاستبشار بالخير، وانتظار الأفضل، فالذي يغري التاجر في الأسفار والمخاطرة هو أمله في الأرباح، والذي يحفز الطالب على الجد والمثابرة هو أمله في النجاح، والذي يدعو المؤمن أن يخالف هواه ويطيع مولاه، هو أمله في نيل رضا ربنا سبحانه وتعالى والفوز بجنته، فالإنسان المتفائل يقابل شدائد الحياة بقلب مطمئن، ووجه مستبشر، لا ينقطع أمله في تبديل حال العسر إلى يسر بأمر الله، وإذا اقترف ذنبا لم ييأس من رحمة الله ومغفرته، تعلقا وأملا بقول الله عز وجل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} الزمر:53، هذه الآية العظيمة دعوة ألا ييأس الإنسان من رحمة من بسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، وبسطها بالليل ليتوب مسيء النهار، حتى ولو تجاوز الحد في الخطايا والإسراف، فكيف تقنط أنت من رحمة الله بعد هذه الآية؟

يقول الشيخ النونان : ما أجمل الآيات الكريمة التي تبشر بالأمل، وتبث روح التفاؤل بين المؤمنين.

 إن التفاؤل هو شعور داخلي بالرضا، وثقة تتحول إلى راحة نفسية لدى ذلك الإنسان الذي علق أمله بالله ولم يقنط، والتفاؤل أيضا هو النظرة الإيجابية عندما توصد الأبواب، وهو طوق النجاة عند الملمات ، فالمسلم المتفائل هو إنسان سعيد في دنياه، متوكل على مولاه، تجده طموح ومبادر لكل جميل، والقرآن يحدثنا عن التفاؤل في ثنــايا ســورة آل عمران: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } آل عمران:139، وهذا هو النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لصاحبه الصديق :{لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا } التوبة:40، آيات بيّنات ملؤها التفاؤل والثقة في وعد الله ونصره.

ومن صور التفاؤل في حياة الأنبياء، ما قصه الله تبارك وتعالى في التنزيل عن يعقوب عليه السلام الذي ظل يرسل أبناءه يبحثون عن يوسف وأخيه دون يأس، {يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} يوسف:87، وموسى عليه السلام الذي خرج فقيرا مطاردا يناجي ربه {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} القصص: 24، فتأتيه الإجابة، وتتفتح له الأبواب، ويكلل بالنبوة، ويخص بأنه كليم الله سبحانه وتعالى، وهذا أيوب عليه السلام، أقعده المرض، وانقطعت عنه أسباب الشفاء من البشر، يرفع يديه ويتضرع لله {إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ } الأنبياء، فجاء الجواب وجاء الفرج المتتابع من رب الكون.

يدعو فضيلة الشيخ محمد النونان المسلمين أن ينظروا بعين البصيرة في سورة الشرح التي تبشر النبي - صلى الله عليه وسلم - باليسر بعد طول عسر، فما أجمله من أمل تعززه الثقة بالله، كما أن النبي نفسه في مواقفه في السيرة كان دائم الحث على التحلي بالأمل وحسن الظن بالله، وهو الذي لم ينطق عن الهوى، يعلم أن الإنسان بطبعه يحب البُشرى، وتطمئن إليها نفسه لأنها تعطيه دافعا للعمل، بينما التنفير يغرس في المرء مشاعر الإحباط واليأس، ويصيبه بالخمول والعزوف عن دوره في الحياة، ولذلك عاب النبي على من ينفرون الناس ويضعونهم في مواضع الدونية والهزيمة النفسية فقال في الحديث: ((يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا))؛ متفق عليه.

وقد بشر النبي بانتصار الإسلام وظهوره مهما تكالب عليه الأعداء، ومهما تألبت عليه الخصوم، فيقول لصحابته وقد اعتراهم الخوف واليأس ((ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار )) رواه أحمد.

إذا أردنا أن نصلح المجتمع - يقول الشيخ - ينبغي أن ندرك أن أي واقع لا يخلو من عناصر إيجابية وفي مقابلها عناصر أخرى سلبية، ومهمة المصلح في خضم الأحداث وتقلبات الحياة تبدأ من تنبيه الناس إلى الإيجابيات الموجودة في حياتهم، وتقويتها، والسعي نحو محاصرة السلبيات وتجاوزها والتغلب عليها، إتباعا لمنهج القرآن الكريم الذي يبدأ دوما بذكر الإيجابيات - وإن قَلّت - ويؤخر ذكر السلبيات، وإن كثُرت، ليعلم الناس أن الصورة العامة للحياة ينبغي أن تكون ناصعة مشرقة وباعثة على الأمل.

إن الإسلام يريد أن يطهر قلوب أتباعه من التصورات السلبية، و يدعوهم أن ينشغلوا بالعمل الإيجابي المثمر الذي يجلب لهم النفع والخير، وسعادة الدنيا والآخرة، والناس اليوم في أمس الحاجة إلى سماع من يبث في نفوسهم الأمل، ويدعوهم إلى التفاؤل، وييسر لهم طريق الخير، واستحضار النماذج المشرقة ليتخذونها أسوة وقدوة ترشدهم للطريق، فهذا هو التطبيق العملي الأمثل لمنهج التفاؤل في سيرة رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - أما فقه زمن الفتن، فيرى الشيخ أنه لن يساهم في أي رفعة ولا منفعة في ظل هذه الظروف التي تعيشها الأمة، وسيؤدي لاعتزال المخلصين لمعترك الحياة، مخافة التورط في الفتنة، وترك الساحة لأصحاب الدعوات الهدامة وما أكثرهم في زمننا الحاضر.

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت